في أول أيام الجامعة، لا يعرف الطالب الجديد إلى أين يتجه ولا من يصادفه، فيكتشف أن كل وجه هو احتمال لصدي جديد؛ يتبادل البعض النظرات في المدرج الأول، يطلب أحدهم قلماً أو يسأل عن الجدول، وتبدأ رحلة من الحوارات العابرة التي تتحول تدريجيًا إلى عشرة؛ ولكن... هل كل صداقات الجامعة تستمر؟ وهل تلك البداية البسيطة هي ما يصنع علاقة حقيقية؟
تابع المزيد:سنة أولى جامعة | قصص حب انتهت بالزواج وأخرى بالخذلان.. ماذا نتعلم؟
صداقة من أول نظرة
بعض الصداقات في الجامعة تبدأ كما لو أنها كانت مكتوبة؛ شخصان يشتركان في نفس الاهتمامات، يتفقان سريعًا، يدرسان معًا، ويشاركان تفاصيل اليوم؛ يتحول الكافيتريا إلى مجلس يومي، والرسائل لا تنقطع، وكأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات.
لكن رغم جمال تلك البدايات، يكتشف البعض لاحقًا أن القرب السريع لا يعني دائمًا الاستمرارية؛ فبعض الصداقات تنهار عندما تختبر لأول مرة، أو حين تختلف الطباع والنيات، أو عندما يظهر الوجه الحقيقي تحت ضغوط الدراسة أو العلاقات الأخرى.
من التعود إلى التباعد
ليس دائمًا الخذلان ناتجًا عن موقف واضح أو صدمة قوية، بل أحيانًا يكون الانفصال ناعمًا، بلا مبررات، يبدأ بانخفاض عدد الرسائل، ثم الغياب عن اللقاءات، حتى تنتهي العلاقة بلا وداع.
هناك من يتأثر بهذا النوع من الفقد، ويتساءل إن كان قد أخطأ، أو لماذا لم تستمر العلاقة رغم كل القرب؛ والبعض يلوم نفسه، والبعض الآخر يقرر أن يكون أكثر حذرًا في العلاقات الجديدة.
التجربة التي تعلم
لكن حتى تلك الصداقات التي لم تستمر كانت درسًا؛ فالجامعة ليست فقط مكانًا للدراسة، بل ميدانًا لاكتشاف الناس والذات من نلتقيهم يعلموننا شيئًا، سواء بقوا أم رحلوا.
قد نتعلم من شخص الصبر، ومن آخر حدود الثقة، ومن ثالث قيمة التقدير المتبادل في النهاية، كل علاقة كانت مرآة لنا بشكل أو بآخر، وعززت جزءًا من نضجنا العاطفي والاجتماعي.
لماذا تختلف صداقات الجامعة عن المدرسة؟
في المدرسة، معظم الصداقات تبنى على التكرار والروتين، لأننا نرى نفس الأشخاص يوميًا ولسنوات؛ أما في الجامعة، فالاختيارات أوسع، والتنوع أكبر، والتجارب أكثر تعقيدًا لا أحد مجبر على البقاء، وكل علاقة تحتاج إلى جهد لتستمر، وإلى نية صافية من الطرفين؛ لذا، يشعر البعض أن الجامعة غربال للعلاقات: تُبقي من يستحق، وتُبعد من لا يناسبك في المساء
هل من السهل بناء صداقة حقيقية؟
ليس الأمر سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً الشخص الصادق، الذي يشاركك القيم، ويحترم خصوصيتك، ويستمع إليك، هو نادر، لكنه موجود المفتاح هو ألا تتعجل في منح الثقة، وألا تضع توقعات أكبر من الواقع.
صحيح أن بعض صداقات الجامعة كانت قصيرة أو مؤلمة، لكنها في النهاية كانت حقيقية بما يكفي لتترك أثرًا لا بأس أن نخدع مرة، أو نخسر شخصًا ظنناه الأقرب، فهذا ما يصنع نضجنا الحقيقة.
الجامعة لا تمنحنا فقط شهادات علمية، بل تمنحنا أيضًا دروسًا في العلاقات، في الصدق، في الحذر، وفي فن بناء روابط إنسانية تصمد في وجه الزمن أو تتلاشى بهدوء.